عبدالرحيم دولة
يمر قرابة ربع قرن على وفاة المرحوم عبد الرحيم محمد غالب المعروف بعبد الرحيم دولة ، هذا الإنسان البريء الذي كان يعاني من الإعاقة الذهنية والسمعية فقد كان والده يمنيه وهو صغير أن كل شيء في القاهر وما حولها حقه القطاون والشعاب والآكام والجبال والوديان واستوطنت بذهنه أن كل شيء حق أبا كما كان يردد ، وياويلك لو اعترضته وقلت له إن هذا القطين مش حق ابا فبأمكانه أن يطاردك في كل زقاق ويشتمك بلغته المعروفة .. وبعد قيام الثورة وعده المرحوم حميد علي ناصر بأن يسجله عسكري دولة ويحسب له معاش ، وتوطنت بذهنه فكرة عسكري دولة فكان يقرن اسمه دائما بعبد الرحيم دولة وهكذا دواليك وأذكر مرة أنني اعترضته على أنه مش عبد الرحيم دولة فقام يطاردني بشارع علي عبد المغني الساعة التاسعة مساء وبيده عصاه ولولا تدخل بعض الاشخاص لكنت حصلت منه على ما استحقه بسبب هذا الاعتراض .. رحمة الله على عبد الرحيم محمد غالب وأسكنه فسيح جناته فقد كان عفويا وطيبا إلى أقصى الحدود .. وما كان يحسب له أنه مواظبا على صلاته أحسن من غيره من الذين عاصروه رغم أميته وجهله المطبق .
ما جعلني أذكر عبد الرحيم دولة هو وجود شخص مشابه له في منطقتنا حيث يكرر نفس النغمة هذا حق أبا ، غير أن هذا الأخير يقرأ ويكتب ويجادل في الدين والسيرة ويعرف الصح من الغلط ومداوم على الصلاة وعندما يخرج من المسجد تسمعه يجلجل قائلا " من حرمك إلى كرمك إلى فضائل نعمك " لكنه يمتلك عدوى مستديمة ويصر عليها وهو يعرف أنه غلطان ، فتراه يدعي أن هذا حقه وهذا ملكه ويمنع أي عمل خير يتم بالقرب من أملاكه ، فنسمعه يقول وادي مائله حقه من الخبج إلى الزقزوق ونراه يمنع أي سيارة تدخل حدوده وإذا أراد أحد أن يأخذ قليل سلال من الوادي يصيح في وجهه ويمنعه وإذا أرادت امرأة أن تحش من الضاحة مقابل الوادي أو جنبه تراه يصيح ممنوع لا تحشي من حقي ولا ندري من أين أتت أحقيته في ذلك ، وحسب علمنا أن الحجار يسحبها السيل من الجبل لكنه بقدرة طامع يدخلها ضمن أملاكه .. وقد لا تصدقوا أنه منع الحاج مهيوب حيدر من أخذ حجار لسد فجوة في العبر الحامي لقطينه بجانب الوادي ولم يحترم أو يستحي من وجه الحاج مهيوب ، وقبلها اعترض على عمل بئر للشرب بالقرب من قطين يدعيه وعمل صجة وضجة وهدد بإراقة الدم لو حصل ذلك ومثلها اعترض على مشروع بناء حمامات في مسجد القرية لأن القصب سيمرين من سوم قطينه .. المهم سيج المنطقة كلها وادعاها بأنها حقه .. وعلى أبناء المنطقة أن يحترزوا على أنفسهم يخرجوا أسجالهم ليتأكدوا هل الأراضي التي بحوزتهم هي حقيقة ملكهم أم أنها ملك عبد الرحيم دولة الجديد .
وهنا أسأله فقط عبر هذا الموضوع كيف أن الصلاة والعبادة وقراءة القرآن لم يؤثروا في نفسيته ويقنعوه بأن عمل الخير مع الناس أفضل من عبادة سنة .. وأن منع قيام أي مشروع في المنطقة يعني منع الخير عن الناس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أنفعكم أنفعكم للناس " . . أظن والله أعلم أن المكوث الطويل في القرية عامل أساس في قساوة القلوب ، فألاحظ أن كثيرا من الرجال الذين كانوا يعملون في المدن وكانوا يتمتعون بقدر من الرحمة والشفقة وحسن التعامل بمجرد أن يعيش ويستقر في القرية تنقلب إخلاقه 180 درجة فتجده قاسي القلب حسود يبحث عن المشاكل من عدمها أناني لا يحب لغيره أي سانحة خير .. لماذا ياناس لماذا ياخلق الله .. نحن نتمنى أن تكون منطقتنا واحة للمحبة والإيثار كما كان أسلافنا من قبل الرحمة متوزعة بينهم كل واحد يعرف ظروف الآخر كانوا رغم فقرهم يتمتعون بأريحية وتسامح عالي المستوى هذا يعطي هذا وذاك يساعد ذاك .. والنساء كنا نعرفهن في قمة المودة والتراحم فيما بينهن والآن أصبحن أكثر فضاضة من الرجال في غالب الأحيان .. هل لأن الزمان لا يأتي بأحسن ؟ أو أن تضاريس المنطقة الجبلية استوطنت القلوب والوجدان ؟ ياجماعة الخير انشروا الرحمة بينكم ساعدوا بعضكم بعضا لا تجعلوا القسـاوة هي عنوانكم حتى تشملنـا رحمة الله من فوق ودعوا المشاكسات
على أتفه الأسباب والدعاوي الباطلة واللهث وراء الإضرار كل من جهته ولا
ننقلب كلنا عبد الرحيم دولة هذا حق أبا وهذا حق أبا ونمنع ما أمر الله به أن يوصل .. وليكن ديدننا على الدوام أن من لا يحب الخير للناس فليس بمؤمن على الإطلاق .. وختم القول يغفر لي إلهي .
علي عبد الجبار أحمد مرشد .. في ذمة الله :
في الثلث الأول من شهر مايو الجاري قضى الأخ علي عبد الجبار أحمد مرشد أجله وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعض صراع مرير مع مرض الكبد مخلفا وراءه أطفال وأرملة .. نتمنى على الله أن يشمل الفقيد برحمته الواسعة وأن يجعله من ورثة جنة النعيم ، ويلهم أسرته وذويه جميل الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا إليه راجعون .