(قصه قصيره )حتى لا تتمزق الاحلام

حتى لا تتمزق الأحلام




بعد تخرجه من الجامعة التحق بإحدى الوظائف ألحكوميه ،وقد عُرف عنه جدّه واجتهاده في عمله،وكان يحرص كل ليلة و قبل أن يريح نومه على وسادة الفراش أن يضبط منبه ساعته عند السابعة صباحاً،تزدحم في مخيلته مجموعة من الأحلام ويطمح إلى تحقيقها.يتقدمها حلم الزواج مثله مثل أي شاب في عمره، تمر الأيام وهو يخطو نحو تحقيق هدفه المنشود،وكل يوم يمر عليه يضيف مواصفة جديدة إلى مخيلته لفارسة أحلامه حتى جاء اليوم الذي اكتملت فيه تلك المواصفات، فبدأ الأهل والأقارب في تخييره لإحدى فتيات القرية لكنها لم تطابق مواصفاته التي رسمها في صفحة خياله فيأتوا بغيرها، الأخرى تلو الأخرى ..حتى وجد نفسه مضطراً لاختيار إحداهن ليس لأنها تحمل مواصفاته،ولكن حتى لا يبقى منتظراً لتلك الفتاة التي تزين مخيلته على محطة الانتظار فيمر عليه الموعد. أنصرف إلى عمله بعد أن استقر قراره على فتاة ، أخذ يضاعف جهده يوماً بعد يوم خاصةً بعد أن وضع قدمه على بداية الطريق التي كانت له مجرد حلم رافق مسيرة شبابه، انصرف لتجهيز احتياجات عرسه وتكاليفه، حتى جاء يوم اللقاء برفيقة حياته،في عشهما الزوجي الصغير، بدأ يفكر في تحقيق ما تبقى له من أحلام وأهداف بمشاركة رفيقته، بعد أن سكنته الثقة وأحسسته بجدية الحياة وأنبتت براعم الطموح على سفوحها الواسعة دون أن يعير عثرات الحياة أي اهتمام.

توارت الأيام وكثرت عليه المشاغل والاهتمامات،صارع الحياة بكل جديه واقتدار، لكنه لم ينسَ أن قناعته لم تكتمل فيمن اختارها رفيقةً لمسيرة حياته الشاقة، فسمح لنفسه التفكير في هذا الجانب،وكأنه بذر حبة في أرض خصبة، فتنامت في نفسه وترعرعت دون شعور فوجد نفسه مشغول بها حتى أصبح وطموحه ضدين يتنازعان.كل منهما يحاول أن يفتك بالآخر، انهار على إثره الطموح بل واشتد عضد ذلك التفكير،حتى أصبح مثقلاً بثمار حامضة المذاق وقابضة الطعم حينها تمزقت الأحلام وذابت بين خلافهما الدائم لأبسط الأسباب،أضحى ضحيته عشهما الزوجي، الذي أغلقت فيه نوافذ الأمل وصار يكتنفه ظلام دامس، أصبحا كائنين من الكآبة، يستنشقان الحسرة والندامة ويلتقمان الجمر وشرابهما شراب حامية.حياة بؤس وبائسة.

حتى تلك الليلة التي استطاع أن يلملم أجزاء نفسه المتبعثرة إلى زاوية من زوايا غرفته، يفكر ملياً ويغوص في أعماقه ليجد مجموعة من الأسئلة.. إلى متى سيبقى هذا الحال؟

مقصر في عمله، وواجباته، تتلاطمه أمواج من الحسرات والأحزان، وتبصق على مشاعره الهزيمة،وزئير القهر ينهش في جسده والشحوب يأكل من وجهه، هكذا بقي يجلد ذاته حتى ساعات متأخرة من الليل تحت الإنارة الخفيفة التي تكاد تعين نظراته للوصول إلى تلك اللوحة المزخرفة،المعلقة على جدار الغرفة، يقرأ أحرفها بشرود دون أن يشعر باستقرار نظراته على اللوحة رغم أن أحرفها تتوهج شيئاً فشيئاً في نفسه، فجأة ينتابه شعور غريب،شعور كأنه يغتسل من الداخل،استيقظ من غفوته، وفاق من غفلته، ، والسعادة تمطره نفحات فلٍ وياسمين،كأن البهجة تتموضع داخل قلبه وتحتويه، نزلت أحرف اللوحة المزخرفة عليه كالغيث حين ينـزل على أرض شققها الظمأ فتعيد لها الحياة وتبتسم حينها الزهور وتنتعش الأغصان.شعر لحظتها برعشة خفيفة في جسده وكأنه ينفض شيء من عليه، اعتدل قائماً وهو يقرأ تلك الأحرف ويدقق فيها ((سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم))..

بقلم/ أنور الدبعي