العيد أجا ليت الحبيب معانا

العيد موسم فرح يأتي كربيع طال انتظاره فيمسح الهموم ويجمع الأحبة ويتم فيه تبادل عبارات التهاني .

يأتي العيد فيزرع في النفوس البهجة والسرور فتشدو كالبلابل الغريدة.. كل هذا بفعل سحر وجمال العيد.
ولكن هل تتقاسم كل القلوب فرحة العيد بالتساوي وبمعيار واحد دون زيادة أونقصان؟
أم أن هناك تفاوتاً وتمايزاً في القسمة ولكل قلب نصيبه؟
لاشك أن فراق الأحبة وعبث المقادير وقسوة الظروف سبب من أسباب تناقص قسمة الفرحة فاغتراب الحبيب ـ أي الزوج ـ مثلاً يشل جانباً كبيراً من الفرحة ويخنق الأشواق حتى وإن كانت فرحة العيد ففي العيد الذي لايجمع فيه شمل الأحبة نجد المرأة التي لم يعد زوجها من مهجره لاتشعر بالعيد ولاترتسم على شفتيها ابتسامة لأن فرحتها بوجود إلفها لابوجود العيد لكن المرأة الريفية تترجم معاناتها وحزنها وتجسد ذلك من خلال عبارات بالغة التأثير والتعبير فتشبه ليلة وصول غائبها في أية ليلة كانت بأنها مثل ليلة العيد وذلك لما لليلة العيد من بهجة منفردة متميزه عن سائر ليالي السنة:
«حبيبي واياهلي وياجيد
ليلة وصولك مثل ليلة العيد».
عبارات بسيطة وكلمات عادية لكنها مفعمة بالتعابير الرائعة التي تدل على عمق المعاناة والفراق، وكلمات المرأة الريفية وإن كانت شعبية اللهجة إلا أنها تفصح عن مكنون نفسي وتعبر بصدق عن مشاعر وأحاسيس وتترجم عواطف فياضة.. فما أكثر ماتغنت المرأة بحزن ممزوج بإيقاع شجي يسحر سمع السامع وبالذات أيام العيد.
العيد وصل كلمن حزتوعيد
وأني بحبسك واحبيب مقيد.
أليس في هذا مايدل علي أن وراء هذه الكلمات حزناً يدفع المرأة إلى الغناء؟ وما القصد مما قالته؟
إن في هذه الكلمات معان عميقة لايدركها إلا من قرأ ماوراء تلك الكلمات فكأنها تريد أن تقول: إن العيد وصل فاحتشد له جميع الناس احتفاءً به من خلال لبس الجديد من الألبسة والتحلي بكل أنواع الحلي والزينة التي يزدان بهاالناس كعامل تقليدي مكمل للمظهر الجمالي.. أما هي فلأن حبيبها لم يعد فكأن العيد لم يأت عندها فعيدهاهوالحبيب المقيدة بانتظاره ولأن عيدها لم يصل فإنها لم تشاركا لناس في اللبس والزينة والابتهاج والنشوة.
لأن لبسها وزينتها وابتهاجها لحبيبها وليس للعيد وكأنهابذلك تجسد معنى الآية الكريمة [ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن].
ولأن العادة السائدة عند الكثير من الريفيين أن يحرصوا كل الحرص على اجتماع كل أفراد الأسرة صباح العيد حول مائدة غداء العيد«وجبة الافطار» فإن المرأة التي لم يعد زوجها لاتستسيغ تلك الوجبة.
بل إن الغصة في حلقها تكاد تخنقها قبل أن ترفع لقمة إلى فمها فتذرف الدمعة وهي ناظرة بحزن عميق إلى المائدة:
«العيد أجا ليت الحبيب معانا
ودمعتي تسقط لفوق غدانا».
ولأن المرأة أىضاً لاتنسى لحظة اللقاء فإنها تظل تنتظر موعد وصول حبيبها الغائب يوماً بعد يوم وساعة ساعة.. ولكن المواعيد تفوت ولايتحقق فيها شيء:
«جمعه وراء جمعه وعيد قفا عيد
حبيبي زلجتني مواعيد»
جمعة تأتي وأخرى تذهب وعيد يأتي وعيد يرحل ومواعيد تتعاقب دون أن يصدق واحد منها.. وهكذا نجد المرأة الريفية تترجم مشاعرها العيدية في الملالاة«الغناء».
وعليه ففرحة العيد تختلف من شخص لآخر ولكنها تظل فرحة منفردة متميزة لأنها فرحة عيد.. كذلك فإن المعاني البديعة التي نستجليها من غناء المرأة الريفية المفارقة تستحق فعلاً الدراسة والتحليل النفسي ذلك لأنها قد أحرزت في تلك المعاني المكونة لغنائها قصب السبق على شعراء الحس المحدثين الذين يحاولون عبثاً ترجمة التحليل النفسي والسلوكي للمرأة المفارقة.
لقد كانت المرأة الريفية تقضي حياتها بين فراق وعذاب، وكانت تعيش هائمة مفارقة ترسل أناتها عبر الرياح والنجوم والطيور وغير ذلك من مكونات الطبيعة مُصعدة من تنهيداتها التي قد يحسب المتفكر أنها تحرق الجبال الصلبة واقفة صامدة تعاني من حدة المأساة وتتمزق تحت ضراوة الحرمان.. وهتون العذاب ومع ذلك تبدو حاقدة على كل من تسبب في عذاباتها وتهييج مشاعرها وعواطفها:
من شار بالفرقة ومن تقلد
الله يشهر به أمة محمد.
وفيه تدعو المرأة على من أشار بالفرقة هكذا كما بدا لنا وكما ألمحنا أن المرأة الريفية كانت تعيش حياتها على تلك الشاكلة من العذاب والتمزق وأنها تعيش غريبة بعيدة عن الأفراح والأعياد لأنها باغتراب زوجها لاتجد في المناسبات والأعياد غير بواعث أسى وحزن عميق يشعل أحزانها الدفينة ويزكي شجاها الملتهب تقول حول هذا الحال:
وقلب متسلي وقلب من ضاق
وكيف أني اتسلي وداخلي احراق.
لكن هذا لم يمنع المرأة المفارقة من مواصلة الانتظار وترقب وصول المحبوب أية لحظة، وربماكان وقتها كله لحظات انتظار وتهيئة لأحسن الظروف التي يمكن أن تستقبل فيها حبيبها.. فعرف ذلك من خلال قولها:
قالي سنه ارش المكان وفوح
لما علمت إن الحبيب شروح.
سنة بأكملها والمسكينة كمالوحت تتهيأ لاستقبال حبيبها وتستعد لذلك بكنس الغرفة ووضع البخور «الفوح» لتلطيف الجو كل هذا وقلبها مفعم بأروع لحظات الأمل.
ولعلها تعيش رغم كآبة الفراق أمتع لحظات الأمل متخيلة أمتع لحظات اللقاء وموعد التلاقي.
أهلاً وسهلاً بالذي نحبه
العين به والقلب منشغل به
وقد صورت الأغنية المعروفة للفنان الكبير أيوب ذلك الحال بعبارات أخرى وهي تشير إلى لحظة وصول المحبوب:
أهلاً وسهلاً بمحبوبي وصل عندي
شفرش مفارش حرير وارش بماء وردي
وفي أغنية معروفة أخرى:
يامرحباً بالزين
بالروح ونورالعين
يافرحنا الاثنين
والعين تناجي العين
üüü
أهلاً وسهلاً بك
فوق الرأس والعين
سبحان من جمع
مابيننا الاثنين.

موضوع مميز جدا

بورك فيك أخي الحكيم .

موضوع جميل جداً
شكراً لك

» وجه الحبيب
» ماجاد به قلمي في هذا العيد
» ماجاد به قلمي في هذا العيد
» خروف العيد
» العيد السادس